:الأدلة على إقامة الخلافة من الكتاب والسنة والإجماع
أولاً:القرآن الكريم
قال تعالى:﴿
﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله﴾ ﴾ وقال: ﴿
﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾﴾ وقال: ﴿
﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾﴾. فالآية الأولى خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وخطابه خطاب لأمته ما لم يرد دليل التخصيص، والحكم بما أنزل الله لا يكون إلا بحاكم. وكذلك التحكيم في الآية الثانية لا يكون إلا بحاكم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فإن قال قائل بأن الحكم في أصل الوضع هو القضاء وأن الحاكم هو القاضي سلمنا، فإن هذا المعنى للحكم الذي هو القضاء من الحقيقة اللغوية ولم تنقل إلى السلطان شرعاً، وإنما نقلها عرفاً من ليس أهلاً للنقل، فهذا الاستعمال من العرف الخطأ لأنه ليس من نقل العرب، وبما أن هذا المعنى عام فلا يقال إنه من العرف الخاص، وعليه فإن لفظ الحكم ومشتقاته لا تعني إلا الحقيقة اللغوية وهي القضاء، فيكون معنى الحكم في الآيات هو القضاء حيثما ورد، ومعنى الحاكم القاضي. ولما كان القضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام كان لا بد من وجود من يضمن إلزام الناس بقضاء القاضي ويملك تعيين القاضي وهو الإمام أو السلطان أو الخليفة. فالقضاء بما أنزل الله واجب، والقضاء لا يكون إلا بقاضٍ، والقاضي لا يعينه وينفذ قضاءه إلا الخليفة. فكان وجود القاضي واجباً ووجود الخليفة واجباً. هذا بالإضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقضي وكان يولي القضاة، وكذلك الراشدون من بعده.
أما الآية الثالثة فإنه سبحانه أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة، ولما كانت الجماعة لا تكون إلا على الخليفة كما يفهم من مجموع أحاديث الجماعة، كان نصب الخليفة واجباً بناءً على نفس القاعدة السابقة.
ثانياً: السنة
أخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
‹‹من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية›› والواجب في هذا الحديث أن تكون في عنق كل مسلم بيعة لا أن يبايع كل مسلم الخليفة، ووجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لا، ولهذا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة لأن البيعة لا تكون إلا له. وعند مسلم من حديث أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:
‹‹الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به›› وهذا خبر أريد به الطلب. وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والطيالسي من حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
‹‹. . وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع. .›› والجماعة لا تكون إلا على رجل واحد هو الإمام كما في حديث حذيفة الذي رواه مسلم وفيه
‹‹. .قال تلزم جماعة المسلميـن وإمامهم. .›› وحديث عرفجة عند مسلم
‹‹من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه›› وحديث فضالة بن عبيد عند أحمد والبيهقي
‹‹ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً. .››، فهو صلى الله عليه وسلم أمرنا بالجماعة وبين لنا أنها تكون على رجل هو الإمام. وما دامت الجماعة لا تكون إلا على إمام كان نصبه واجباً من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثاً: الإجماع فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على نصب خليفة خلال ثلاثة أيام ولا حاجة للتفصيل في هذا المقام.
فالعمل لإقامة الخلافة فرض بل هو الفرض الذي تقام به الفروض، وكونها ستقوم أم لا، لا علاقة له بالفرض، ولا يجوز للمكلف أن يتعلل بعلم الله وقضائه للقعود عن القيام بهذا الواجب. تماماً كمن عليه نفقة واجبة ولا يجد مالاً للقيام بالنفقة الواجبة، فإنه يجب عليه السعي لقوله عليه السلام:
‹‹كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول أو يقوت›› فلا يحل له أن يقعد عن السعي والاكتساب بحجة أن الله لن يرزقه، فالنصر بإقامة الخلافة والرزق بيد الله فهو الذي ينصر وهو الذي يرزق، وهذا ليس من شأن العبد، وإنما الذي من شأنه أن يسعى في طلب الرزق للنفقة الواجبة، والتلبس بالعمل لإقامة الخلافة. والله سبحانه لم يكلفنا ما لا طاقة لنا به، فكون أمريكا قوية وكذلك كثير من دول الكفر لا يشكل رخصة للقعود، فما دمنا مكلفين فعلينا العمل والله متكفل بالنصر.
على أن الله سبحانه وتعالى قد كشف لنا علمه في هذه المسألة بالدليل القطعي الذي يثبت أن الخلافة كائنة بعد أن يقضى عليها، وأن العدل والحكم بما أنزل الله آت، وهذا مما يزيدنا إيماناً وتصميماً وجدية في العمل، فقد تواترت الأخبار بهذا تواتراً معنوياً، لا يجعل مجالاً للشك أو القعود وهذا بيانه:
أولاً: حديث الخلافة على منهاج النبوة:أخرج أحمد في المسند: حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثني داود بن إبراهيم الواسطي حدثني حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بشير رجلاً يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
‹‹تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت››.قال في المجمع رجاله ثقات. ويدل بمنطوقه أن الخلافة على منهاج النبوة كائنة بعد الملك الجبرية والناس اليوم يخضعون لهذا الملك، إذ إن إمرة السفهاء الصبيان قد طبقت الأرض، والمقصود بالصبيان السفهاء الذين لا يحكمون بما أنزل الله ووصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وليس المقصود صغار السن، أخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
‹‹أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء، قال وما إمارة السفهاء، قال: أُمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم على كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون عليَّ حوضي››. وسـند هذا الحديث فيه صحابيان وتابعيان وواحد من تابعي التابعين.
ثانياً: حديث دخول الإسلام كل بيت على ظهر الأرض:أخرج أحمد في مسنده قال: حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا صفوان بن سليم قال حدثني سليم بن عامر عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
‹‹ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر››. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.
وأخرج حديث تميم هذا الحاكم في المستدرك قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العثري حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان بن عمرو حدثنا سليم بن عامر عن تميم الداري وذكر الحديث ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
أخرج الحاكم في المستدرك قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن وليد بن مزيد البيروتي حدثنا محمد بن شعيب بن شابور حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
‹‹لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل يعزهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فلا يدينوا لها››. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأخرج حديث المقداد هذا البيهقي في السنن الكبرى إلا أنه قال في آخره: [وإما يذلهم فيدينون له] وإسناده: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن أبي حامد المقري وأبو بكر القاضي وأبو صادق بن أبي الفوارس قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ العباس بن الوليد ابن مزيد أخبرني أبي قال سمعت ابن جابر عن سليم بن عامر قال حدثني المقداد وذكر الحديث.
كما أخرج حديث المقداد أحمد في مسنده قال: حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا الوليد بن مسلم حدثني ابن جابر قال سمعت سليم بن عامر قال سمعت المقداد وذكر الحديث.
وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير قال حدثنا يحي بن عثمان بن صالح حدثنا نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يحدث أنه سمع المقداد بن الأسود وذكر الحديث. قال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح.
وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه قال: أخبرنا عبد الله بن سليم قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثني الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن جابر قال سمعت سليم بن عامر يقول سمعت المقداد وذكر الحديث.
وأخرجه ابن حبان من طريق آخر قال: أخبرنا جعفر بن أحمد بن عاصم الأنصاري بدمشق قال حدثنا محمود بن خالد قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن جابر قال سمعت سليم بن عامر يقول سمعت المقداد بن الأسود وذكر الحديث.
وأخرج الحاكم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أخبرني أبو الحسين بن أبي عمرو السماك وأبو أحمد الحسين بن علي التميمي قالا: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثني يحي بن سعيد الأموي حدثني أبي حدثني يزيد بن سنان حدثنا عقبة بن رويم قال سمعت أبا ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه يقول:
‹‹كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى بفاطمة رضي الله تعالى عنها ثم يأتي أزواجه. فلما رجع خرج من المسجد تلقته فاطمة عند باب البيت تلثم فاه وعينيها تبكي، فقال لها يا بنية ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله ألا أراك شعثاً نصِباً قد اخلولقت ثيابك! قال فقال فلا تبكي فإن الله عز وجل بعث أباك لأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلا أدخل الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل››. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرج الطبراني حديث أبي ثعلبة في مسند الشاميين قال: حدثنا طالب بن قرة الأذني حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا يحي بن سعيد الأموي حدثنا أبو فروة بن يزيد بن سنان عن عروة بن رويم عن أبي ثعلبة الخشني وذكر الحديث.
هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة ورواه عنهم على الأقل ثلاثة من التابعين ورواه عنهم تسعة من تابعي التابعين على الأقل. وفيه إخبار عن دخول الإسلام كل بيت على ظهر الأرض وأكثر أوروبا الغربية لم يدخلها الإسلام وكذلك الأمريكيتين وأستراليا وكثير من إفريقيا. ودخول الإسلام فسّر الحديث بأنه إما الدخول في الإسلام أو بالدينونة له أي الخضوع، والخضوع لا يكون إلا بالحكم، وكل الروايات تصرح بالدينونة للإسلام إلا رواية الحكم التي ذكرناها، ويمكن فهمها على أنهم لا يدينون بكلمة الإسلام ولكنهم يذلون لها بالجزية والخضوع لأحكام الإسلام، فهي لا تخرج عن معنى بقية الروايات. ثم الخضوع لحكم الإسلام يستلزم وجود دولته، فالحديث بمفهومه يدل على أن دولة الإسلام كائنة وأنها تعم الأرض بسلطانها.
ثالثاً: حديث الورق المعلق:أخرج الحاكم في المستدرك قال: أخبرنا أبو عبيد الله بن عبد الله الزاهد حدثنا أحمد بن مهدي بن رستم حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:‹‹ أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيماناً؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم، قالوا: يا رسول الله فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالـى بالنبوة والرسالة. قال: هم كذلك ويحق لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم بل غيرهم. قال قلنا فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يروني ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً››. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرج البزار من طريق محمد بن مرزوق قال: أنبانا المنهال بن بحر قال أنبأنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه:
‹‹أولئك أعظم الخلق منـزلة وأولئك أعظم الخلق إيماناً عند الله يوم القيامة››.قال الهيثمي: أحد إسنادي البزار المرفوع حسن. المنهال بن بحر وثقه أبو حاتم وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح.
هذا الحديث رواه على الأقل ثلاثة من تابعي التابعين عن ثلاثة من التابعين عن صحابي. وهو يدل بمفهومه على أن دولة الإسلام كائنة بعد أن يقضى عليها، والذي يدل على أنها كائنة قوله: [فيعملون بما فيه] وما من ألفاظ العموم فتشمل عمل الأفراد كالصلاة وتشمل عمل الدولة كالحدود وحمل الدعوة وعقد المعاهدات وتطبيق سائر الأحكام التي جعلها الله سبحانه وتعالى من اختصاصها. وأما الدليل على أنها تكون بعد القضاء على دولة الإسلام الأولى فقوله: [فيجدون الورق المعلق]، والورق المعلق يشمل الكتاب والسنة، وقد كان هذا الورق موجوداً زمن الصحابة، وكان بعض السنة معلقاً أيضاً عند بعض الصحابة كعبد الله بن عمرو، وكان معلقاً أيضاً عند الأجيال التي جاءت بعد الصحابة، فما الفرق بيننا وبينهم؟ الفرق والله أعلم أنهم وجدوا الورق المعلق ووجدوا الدولة التي تعمل به، أما نحن فلم نجد إلا الورق المعلق ولم نجد الدولة فعملنا لها وسنعمل به فيها إن شاء الله. فيكون معنى الحديث: فيجدون الورق المعلق لا يعمل به فيعملون بما فيه كله. أي أن الورق المعلق لا يعمل به قبلهم فيعملون به. أي أنهم يجدونه على الرفوف فيضعونه موضع التطبيق في الحياة.
وفي هذا الحديث دقيقة ينبغي التنبيه إليها وهي أن هؤلاء القوام ليسوا أفضل من الملائكة والأنبياء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملائكة والأنبياء [هم كذلك] أي أنهم أفضل أهل الإيمان إيماناً، أي أنه من الطبيعي والبديهي أن يكونوا كذلك، ولا يحتاج هذا إلى سؤال، والذي يحتاج إلى السؤال عنهم هم غيرهم ممن لا يكونون بمنـزلتهم التي أنزلهم الله إياها، فهذا الفضل في إيمانهم يحق لهم بالمنـزلة التي أنزلهم الله إياها. فهؤلاء الأقوام أفضل أهل الإيمان إيماناً خلا الملائكة والأنبياء. وكونهم أفضل أهل الإيمان إيماناً لا يجعلهم أفضل من الصحابة، ذلك أن فضلهم محصور بالإيمان أي مقيد بالإيمان وليس فضلاً مطلقاً، وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم [إيماناً]، فالفضل كما يكون بالإيمان والتقوى، يكون بالأعمال، وهؤلاء الأقوام إنما فضلوا غيرهم بكونهم آمنوا بورق معلق وعملوا به دون أن يروا نبياً ولا وحياً ولا دولة، ففضلهم محصور ومقيد بهذه الجزئية من التفاضل، لكن لو جمعنا الجزئيات التي يتفاضل بها المؤمنون أي التفاضل مطلقاً لكان الصحابة خيراً منهم ولا كلام. وحتى الصحابة الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الدولة فإنهم لا يشاركون هؤلاء الأقوام بمزية وجدان الورق المعلق والعمل به، وإن كانت لهم مزايا أخرى تجعلهم أفضل، هذا ويمكن التسوية بين أفراد هؤلاء الأقوام وبين أفراد الصحابة باعتبارهم من السابقين قال تعالى ﴿
﴿والسابقون السابقون ، أولئك المقربون، في جنات النعيم، ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين﴾ ﴾ فالسابقون إلى العمل بما يجدون من الورق المعلق يشاركون الصحابة في السبق لا في الفضل، وبكونهم أفراداً لا بكونهم قرناً، وبهذا يجمع بين الأدلة. على أنه لو قال قائل إن قوله عليه السلام: [أهل الإيمان] هو من العام الذي أريد به الخاص، فالعام هم المؤمنون الذين لا يجدون إلا الورق المعلق ولكنهم لا يعملون له ولا به، وأريد بهذا العام العاملين فقط، لو قال قائل بهذا الرأي لكان له وجه، فالمسلمون بعد هدم الخلافة مؤمنون، وأفضل أهل الإيمان من المؤمنين اليوم هم العاملون بالورق المعلق، وهم السابقون لغيرهم من المسلمين.
رابعاً: حديث نزول الخلافة الأرض المقدسة: أخرج أبو داود قال: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن زغب الأيادي حدثه قال: نزل عليّ عبد الله بن حوالة الأزدي فقال لي:
‹‹بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا فلم نغنم شيئاً، وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلـى أنفسهم فيعجزوا عنها ولا تكلهم إلـى الناس فيستأثروا عليهم. ثم وضع يده على رأسي أو قال على هامتي ثم قال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك››. قال الألباني صحيح.
وأخرجه الحاكم قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا هارون بن سليمان الأصبهاني حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب أن ابن زغب الأيادي حدثه قال نزل عليّ عبد الله بن حوالة الأزدي فقال لي الحديث وذكر الحديث مرفوعاً. .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه أحمد بنفس إسناد الحاكم.
هذا الحديث إن كان ابن زغب هو عبد الله فهو صحابي، وإن كان عبد الرحمن فهو تابعي فيكون رواه صحابيان على القول الأول وصحابي واحد على القول الثاني. وتابعي واحد على القول الأول وتابعيان على القول الثاني، وثلاثة من تابعي التابعين على القولين. وهو يدل بمنطوقه على أن الخلافة ستنـزل الأرض المقدسة، ولا يقال إنها قد نزلتها في عهد الراشدين، لا يقال ذلك لأنها لم تدن الزلازل والبلايا والأمور العظام بعد الفتح، وهذا يقتضي نزولاً ثانياً تكون بعده
الزلازل والبلايا والأمور العظام
والسلام عليكم ورحمه الله وبكاته
***
**
*
..