السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الثامن والعشرين من رجب سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وأربعين للهجرة الموافق للثالث من آذار سنة ألف وتسعمائة وأربع وعشرين للميلاد، تمكـن الكفار المستعمرون بزعامة بريطانيا آنذاك، بالتعاون مع خونة العرب والترك من القضاء على دولة الخـلافة، وأعلن مجرم العصر مصطفى كمال إلغاء الخـلافة في استانبول ومحاصرة الخليفة وإخراجه في سحر ذلك اليوم، وكان ذلك ثمناً أمرته بريطـانيـا بتقديمه، ومن ثم تنصيبه مقابل ذلك رئيساً سقيماً للجمهورية التركية العلمانية.
وهكذا كان، حيث حدث هذا الزلزال الفظيع في بلاد المسلمين بالقضاء على الخـلافة مبعث عزهم ومرضاة ربهم.
بعد ذلك، أيها المسلمون، حلَّ نفوذ الكفار المستعمرين في بلاد المسلمين، فجزأوا البلاد، ومزقوها عدة مِزَق حتى وصلت إلى نحو خمس وخمسين مِزقةً، نَصَّبوا على كل منها عميلاً لهم حاكماً يأمرونه فيأتمر وينهونه فينتهي، ورسموا سياسةً لهم مصيريةً أن يبذلوا الوسع بكل وسيلة مهما بلغت من السوء ليمنعوا عودة الخـلافة من جديد، وجعلوا الحكام العملاء خطاً متقدماً لتنفيذ هذه السياسة الخبيثة الحاقدة على الإسلام والمسلمين.
ثم أضافوا إلى الزلزال الفظيع زلزالاً آخر فأعطوا اليهود دولةً في الأرض المباركة، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وزودوها بأسباب البقاء. وأول تلك الأسباب حماية أمنها بواسطة الحكام العملاء المحيطين بها، ليس هذا فحسب بل كان هؤلاء الحكام ينهزمون أمام يهود في كل حرب تنشب حتى أَعْطَوْا دولة يهود حجماً فوق حجمها وصورةً غير صورتها. ولَم يكتف هؤلاء العملاء بهذا، بل بذلوا الوسع في أن يحاربوا الله ورسوله لينقلوا القضية من إزالة كيان يهود من فلسطين من جذوره إلى التفاوض مع كيان يهود لعله ينسحب من شيء مما احتله في 1967!
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تَرَبَّعَتْ أمريكا على عرش الغرب وصارت تُزاحِم أوروبا على مستعمراتها معتبرةً نفسها وريثة الغرب في مناطق نفوذه بحجة أنها هي التي أنقذت الغرب في الحرب العالمية الثانية. ولَم تستكن أوروبا وبخـاصة بريطانيا للأمر بسـهولة، وصارت بلاد المسلمين ميداناً لصراع الدول الكافرة المستعمرة، صـاحبه صراع أكثر سخونةً بين الغرب، وبخـاصة أمريكا، وبين الاتحاد السوفيتي السابق. لقد كان المسلمون هم وقود الصراع نتيجة خيانة هؤلاء الحكام العـملاء، وأما المكاسـب والمغانم من ثروة وهيمنة فهي للدول الغالبة المتصارعة. ثم بعد طول عناء بين الفريقين انتهى الأمر إلى وفاق بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، من حيث تقاسم المصالح في السياسة الدولية، صاحبته تشويشات أوروبية بريطانية الطابع. ثم انهار الاتحاد السوفيتي، ولَم تستطع أوروبا أن تملأ مكانه في مزاحمة أمريكا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وعدم تماسك أوروبا ووهنها أمام أمريكا، صارت أمريكا أقرب إلى التحكم المنفرد في السياسة الدولية، وأخذتها عنجهية الطغيان وصارت تضرب هنا وتضرب هناك، فأذكت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وباشرت حرب الخليج الثانية في إخراج العراق من الكويت، وكانت تصريحات بوش الأب الصليبية تكشف ما في قلوبهم من حقد على الإسلام والمسلمين، وبقيت تصول وتجول إلى أن كانت أحداث 11 أيلول التي لَم تنكشف كل أسرارها بعد.
بعد ذلك تطاولت أمريكا على العالم، كلِّ العالم وجعلته قسمين: إما أن يكون خاضعاً لها أو مُعَرَّضاً لعدوانها وحربها، وهكذا كانت أعمالُها الوحشية في أفغانستان، ومن بعدُ أعمالُها الوحشية في العراق، حتى إنها ضربت عرض الحائط بكل الشكليات القانونية للأمم المتحدة، وأسقطت حتى المجاملات الدولية من الاعتبار، فَتَنَدَّرَتْ على أوروبا بالقديمة والجديدة، وركبت رأسها في العدوان غير عابئة لا بعدو ولا صديق.