اسرائيل:حرب ثانية على غزة مسألة وقت
سماء مغطاة بطائرات ترصد كل كبيرة وصغيرة، أرض تغرس الدبابات والآليات العسكرية أنيابها فيها كل صباح، وغارات متواصلة تحصد شهيدا تلو آخر.
هكذا يستقبل سكان قطاع غزة المحاصر الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع ما بين 27-12-2008 و18-1-2009، والتي خلفت أكثر من 1400 شهيد فلسطيني، معظمهم مدنيون، مقابل مقتل 13 إسرائيليا فقط، بينهم ثلاثة مدنيين.
ففي عشية الذكرى الأولى لهذه الحرب لا يقتصر الخوف من حرب قادمة على سكان القطاع الموجوعين فقط، إذ يؤكد إمكانية نشوبها العديد من الخبراء والمحللين، ما يدعمه الكثير من الشواهد على الأرض؛ حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تلوح إسرائيل بأن الهدوء في غزة نسبي، وأن اندلاع حرب جديدة "مسألة وقت".
ومع قرار إسرائيل إجراء مناورات ضخمة بوسط البلاد وحول مدينة تل أبيب في مارس القادم تتضمن سيناريو استهدافها بصواريخ فلسطينية يزداد قلق أهالي غزة المحاصرة، ولا يغادر ألسنتهم سؤال "متى الحرب الثانية؟".
ولم يتوقف الاحتلال في الآونة الأخيرة عن التحذير من أن الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المسيطرة على غزة منذ يونيو 2007، عملت على تعزيز قوتها، وامتلكت صواريخ بعيدة المدى (لأكثر من 70 كيلو مترا) تهدد عمق إسرائيل.
وفي الوقت الذي تتوغل فيه الدبابات الإسرائيلية لمسافات وأمتار كثيرة في المناطق الحدودية، فإن منشورات الذعر التي تسقطها طائرات الاحتلال على سكان تلك المناطق تتوعدهم بشن حرب جديدة.
وبالرغم من حالة الهدوء وسقوط عدد محدود من الصواريخ المحلية الصنع (أكثر من 270) على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية بعد الحرب، فإن الاحتلال يواصل الإصرار على أن المعركة القادمة "مسألة وقت".
وداعا للهدوء
الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، لم يستبعد في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "تشن إسرائيل هجوما واسعا على غزة، فهناك كثير من الشواهد على الأرض تدلل على أن أمرا ما ينتظر القطاع، حتى لو لم تكن هناك حرب شاملة كالتي جرت العام الماضي.. هناك عدوان على القطاع وهجمة عسكرية يحضر لها الاحتلال".
وشدد أبو سعدة على أن إسرائيل "لن تتوانى في الخروج الآن لحرب على غزة إن رأت أن ذلك سيخدم مخططاتها وأهدافها"، مضيفا أنها "تقوم الآن بتهيئة الرأي العام العالمي من خلال الإشارة إلى أسلحة حماس والمقاومة والتي تهددها وتقلق أمنها.. أتوقع أن تحمل الأيام القادمة الكثير من التصعيد، ولا يبدو أن الهدوء سيكون عنوان المرحلة المقبلة".
ولا يذهب المحلل والكاتب الفلسطيني الدكتور عبد الستار قاسم بعيدا عن هذا التحليل بقوله لـ"إسلام أون لاين.نت" إن "تهديدات إسرائيل جدية، وتصعيدها الأخير على الأرض بداية للعدوان القادم".
ورأى أن إسرائيل ماضية في توجيه ضربة جديدة لغزة، قائلا إن "لم تكن ملامحها واضحة إلا أن عدوانا جديدا على غزة ليس بعيدا، هي الآن تقوم بتضخيم قوة حماس والمقاومة لتبرر هجومها على القطاع".
وبحسب قاسم فإن "بناء مصر للجدار الفولاذي (تحت الأرض) على طول حدودها مع غزة، وتشديد الحصار (المتواصل منذ يونيو 2007)، يعد مقدمة لهذا العدوان، فهناك مؤامرة تحاك ضد غزة بعد عام من الحرب الأولى، مؤامرة تشارك فيها أطراف دولية وعربية وحتى فلسطينية، هم يريدون، وبأية وسيلة، التخلص من الوضع السياسي في غزة وإسقاط حكم حماس حتى ولو بحرب جديدة أكثر شراسة وعنفا".
وكانت حركة حماس قد اعتبرت أن إقامة الجدار الفولاذي مؤشر على احتمال شن إسرائيل لعدوان جديد على غزة، مشددة على أن هذا الجدار من أول مؤشرات الحرب القادمة.
حرب قادمة
وبعيدا عن التحليلات وقراءة ما وراء الأخبار فإن مواطني غزة الذين استيقظوا في الأيام القليلة الماضية على ما يقال إنه سيناريو ما قبل الحرب الأولى المتمثل في تشديد الحصار الخانق لم تر عيونهم في البعيد سوى "حرب قادمة".
"أبو خالد" الحاج الستيني لا يبدو بعد عام من الحرب متفائلا بما هو قادم، إذ توقع في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "يأتي الأقسى والأشد ألما.. أزمة الكهرباء عادت من جديد، والأنفاق مهددة بالإغلاق (بسبب الجدار الفولاذي)، هناك حصار يشتد، وبالتأكيد هو مقدمة لعدوان شرس".
وهو يشير إلى طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في السماء وإلى مبان يوحي ركامها بأن الحرب قد اندلعت بالأمس، يقول أحمد خلف -الطالب الجامعي- بأسى: "لا يبدو أن القادم أفضل.. إسرائيل تهدد والكل يحاصر غزة.. لا غاز ولا وقود.. وما من شك أن الحرب الثانية مسألة وقت".
ولإحياء ذكرى الحرب الأخيرة أعلنت حكومة غزة التابعة لحماس عن سلسلة من الفعاليات ستبدأ بإزاحة الستار عن لوحة شرف للشهداء الذين قضوا نحبهم في هذه الحرب، وستنفذ كل وزارة العديد من الفعاليات التي أكدت الحكومة أنها ستعزز مفهوم "ثقافة الصمود والثبات".
وبحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة فإن أكثر من 14% من جرحى الحرب الأخيرة باتوا "معاقين"؛ حيث تعرض أغلبهم إلى بتر للأطراف العليا والسفلى, بل فقدت حالات كثيرة أطرافها الأربعة, و4% يعانون من إعاقات ذهنية وعقلية نتيجة لتعرض الدماغ لشظايا صغيرة اخترقت الرأس.
وأظهر مسح أجراه برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من 15 ألف منزل و68 مبنى حكوميا و31 مبنى لمؤسسات أهلية تعرضوا لأضرار كلية أو جزئية، وأضاف التقرير: "نتيجة لذلك يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن هناك 600 ألف طن من الركام والأحجار التي يلزم أن تتم إزالتها".